بات التصعيد المتبادل هو العنوان الرئيسي للمواجهات التي تندلع باستمرار بين حركة "بوكو حرام" النيجيرية والقوات متعددة الجنسيات التي شكلتها بعض دول غرب إفريقيا لمواجهة نشاطها وإضعاف قدرتها على التمدد العابر للحدود، وهى نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون. وربما يتواصل هذا التصعيد خلال المرحلة القادمة، لا سيما بعد أن باتت الحركة تمثل أحد الأفرع الرئيسية لتنظيم "داعش"، التي يُعوِّل عليها في توجيه ضربات مضادة ردًا على الخسائر التي تعرض لها في سوريا والعراق.
وقد بدا ذلك جليًا في الرسالة المصورة التي نشرها التنظيم لزعيمه أبو بكر البغدادي، في 29 إبريل 2019، والتي تعد الظهور الأول له منذ نحو 5 أعوام، وتوعد خلالها بـ"الثأر لقتلى التنظيم وأسراه" بعد إقراره بانتهاء معركة الباغوز، حيث ركز في هذا السياق على بعض التنظيمات الموالية لـ"داعش"، ومنها التنظيمات الموجودة في غرب إفريقيا.
تحول ملحوظ:
كان لافتًا أن حركة "بوكو حرام" حرصت في الفترة الأخيرة على إتباع النهج نفسه الذي تبناه تنظيم "داعش" في المناطق التي سبق أن سيطر عليها داخل كل من سوريا والعراق. وتتعلق الآلية التي حاولت الاستناد إليها في هذا الصدد بالعمل على التحول من جماعة إرهابية محلية إلى تنظيم إرهابي عابر للحدود، وهو الاتجاه الذي يتبناه الجناح الذي كان يتزعمه أبو مصعب البرناوى، والذي تشير تقارير عديدة إلى أنه تم استبداله بقيادي آخر غير معروف في الفترة الأخيرة.
وقد انعكس هذا التماهي في إصرار الحركة على استخدام الأساليب نفسها تقريبًا، على غرار حرق منازل وممتلكات سكان المناطق التي تقوم باستهدافها. وظهر ذلك بشكل واضح في الهجوم الذي وقع في منطقة زيلفيد في أقصى شمال الكاميرون، في 18 مارس 2019، وأسفر عن قتل ثلاثة أشخاص بينهم امرأة وطفل، وإحراق 107 منازل وممتلكات تابعة لسكان المنطقة.
وعلى ضوء ذلك، بدأت تلك العمليات تكتسب اهتمامًا دوليًا، يتوازى مع تزايد التحذيرات من تصاعد نشاط التنظيمات الفرعية التي بايعت "داعش" في الأعوام الأربعة الماضية. وانعكس ذلك في إعلان منظمة الأمم المتحدة، في 5 إبريل الجاري، عن أن حركة "بوكو حرام" قتلت 88 شخصًا في جنوب شرق النيجر، خلال شهر مارس الفائت، وإشارتها إلى أن العمليات الإرهابية التي تنفذها الحركة أدت إلى فرار نحو 18 ألف شخص من النيجر.
من هنا، بدأت دول جوار نيجيريا، وهى تشاد والنيجر والكاميرون، في رفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري فيما بينها عبر القوات متعددة الجنسيات التي قامت بتشكيلها، وتمكنت من توجيه ضربات قوية للحركة في الفترة الأخيرة، على غرار ما حدث في 17 إبريل الجاري، حيث قتلت تلك القوات 52 عنصرًا من الحركة خلال الهجوم الذي شنته في شمال شرقى نيجيريا.
واللافت في هذا السياق، هو أن منطقة شمال شرقى نيجيريا تعد المعقل الرئيسي للحركة، على نحو يوحي بأن نفوذها ربما تراجع في الفترة الماضية، على ضوء الضربات العسكرية التي تعرضت لها، فضلاً عن الانشقاقات التي تنشب داخلها، وهو ما أضعف قدرتها على حماية المناطق الرئيسية التي تسيطر عليها وتنطلق منها لتنفيذ عملياتها الإرهابية داخل نيجيريا وبعض دول الجوار.
توازنات مختلفة:
رغم أن زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي أشار، في رسالته المصورة، إلى التنظيمات الموالية لـ"داعش" في غرب إفريقيا، باعتبار أنه ربما يكون لها دور رئيسي في العمليات الإرهابية التي يشنها التنظيم خلال المرحلة القادمة للرد على الهزائم التي منى بها، إلا أنه كان حريصًا على إبداء اهتمام خاص بالمجموعة التي يقودها أبو الوليد الصحراوي، والمجموعة الأخرى التي أعلنت مبايعتها للتنظيم في كل من مالي وبوركينا فاسو.
وهنا، فإن ذلك قد يفرض التنافس عنوانًا رئيسيًا لأنماط التفاعلات التي تجري بين تلك التنظيمات الإرهابية، بما يعني أن هذا التنافس قد لا يقتصر على التنظيمات الإرهابية الرئيسية، وفي مقدمتها تنظيمى "داعش" و"القاعدة"، الذي يحاول استغلال الضربات التي تعرض لها الأول لتعزيز نفوذه ونشاطه من جديد، وإنما سوف يمتد إلى داخل تلك التنظيمات نفسها، وخاصة بين الأفرع الرئيسية التي أعلنت مبايعتها له، على غرار "بوكو حرام" وغيرها.
ويعتبر أبو مصعب البرناوي أن تعزيز قدرات "بوكو حرام" واتساع نطاق العمليات الإرهابية التي تقوم بتنفيذها داخل نيجيريا وبعض دول الجوار سوف يضعها في صدارة خريطة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، قبل التنظيمات المنافسة.
ويبدو أنه يسعى إلى استغلال التوسع في الخارج باعتباره إحدى الآليات التي يمكن أن تساهم في تكريس نفوذه داخل الحركة في مواجهة خصومه، لا سيما أبو بكر شيكاو الذي قاد الأخيرة في الفترة بين عامى 2009 و2016.
وربما يكون تصعيد تلك العمليات محاولة من جانب البرناوي للرد على التقارير التي ظهرت في الفترة الأخيرة وأشارت إلى إجراء تغييرات تنظيمية داخل الحركة خلال المرحلة الماضية وأدت إلى الإطاحة به لصالح قيادة جديدة غير معروفة على نطاق واسع، بعد انتشار تسجيل صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي بلغة الهوسا، في مارس الفائت، يزعم اختيار قائد جديد للحركة بديلاً له.
وهنا، يمكن القول في النهاية إن الحركة قد لا تستطيع مواصلة سياسة التصعيد على المدى الطويل، وذلك في ظل تزايد اهتمام العديد من القوى الدولية والإقليمية بمكافحة هذه النوعية من التنظيمات، ومنع "داعش" من تكرار ما قام به داخل كل من سوريا والعراق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بشكل قد يزيد من احتمال تعرض "بوكو حرام" لضربات عسكرية قوية لتقليص قدرتها على مواصلة تنفيذ تلك النوعية من العمليات الإرهابية، بشكل سوف يفرض عليها ضغوطًا قوية داخليًا وخارجيًا خلال المرحلة القادمة.